يبدو أن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني لم يكن يتوقع أن يقع على عاتقه إعداد مشروع موازنة العام 2021، نظراً إلى الرهان على ولادة الحكومة العتيدة بعد إستقالة حكومة تصريف الأعمال بعد إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي، بدليل تجاوز هذا المشروع كل المهل القانونيّة والدستوريّة اللازمة، مع العلم أنّ هذه الموازنة لم تقرّ حتى الآن في مجلس الوزراء تمهيداً لتحويلها إلى المجلس النيابي.
في الصورة العامة، يمكن الجزم بأنّ إعداد الموازنة جاء نتيجة الضغوط الدولية التي تفرض القيام بهذه الخطوة، في ظلّ الرهان على الوصول إلى إتفاق مع صندوق النقد الدولي بعد ولادة الحكومة الجديدة، بحسب ما ترى مصادر مطلعة عبر "النشرة"، حيث كان السفير البريطاني لدى لبنان كريس رامبلينغ أول المبادرين إلى تذكير وزني، في شهر تشرين الثاني الماضي، بمهامّه، عندما أكّد أن "من المهم على حكومة تصريف الأعمال أن تضطلع بمسؤولياتها، مثل تحضير موازنة عام 2021".
من وجهة نظر هذه المصادر، في مشروع الموازنة مجموعة من الخطوات التي في ظاهرها تبدو إصلاحيّة، إلا أنّها لدى التدقيق بها تبدو مجموعة من الخطوات غير المنسّقة، نظراً إلى أنها لا تصبّ في إطار مشروع موحّد يمكن الرهان عليه في دولة تعاني ما تعانيه على المستويين المالي والإقتصادي، وتلفت إلى أن رهان وزير الماليّة في حكومة تصريف الأعمال، بحسب ما يظهر، ينكبّ على أمرين: تشكيل الحكومة والإتفاق مع صندوق النقد، الأمر الذي ترى أنه من الممكن، في ظل الظروف الراهنة، أن يتأجل إلى ما بعد العام 2021.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، الطامة الكبرى تكمن بأن وزني لا يزال يحتسب سعر صرف الدولار عند حدود 1500 ليرة، بالرغم من إعترافه بأنّ العملة الوطنية خسرت أكثر من 80% من قيمتها في الفترة الماضية، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عن حقيقة التوقّعات التي يقدّمها في متن هذا المشروع، طالما أنه ينطلق من هذه النقطة غير المنطقيّة.
وتضيف المصادر المطلعة: "الإنطباع العام هو أنّ هذه الموازنة وُضعت كيّْ لا تُقرّ، في ظلّ العديد من البنود السجاليّة التي تضمنّتها، أبرزها ضريبة "التضامن الوطني" التي على ما يبدو وضعت لنهب من فشل في تحويل أمواله إلى الخارج من أصحاب الحسابات الماليّة الكبيرة في المصارف، بينما يتم تجاهل من نَجح في هذا الأمر، بشكل أو بآخر، من السياسيين أو النافذين (وبينهم الكُثُر من السارقين)، أو من ذهب إلى شراء العقارات عبر آليّة الشيكات المصرفية".
واقع هذا المشروع أدّى إلى تفجير غضب الموظّفين في القطاع العام وتحريك الدعوات إلى الإضراب العام، عبر 3 مواد أساسية، تتضمن: خفض التصنيف الصحّي لموظفّي الفئة الثالثة من الدرجة الأولى إلى الثانية (المادة 105)، حرمان الموظّف الجديد القادم إلى الوظيفة العامة من الراتب التقاعدي بعد إقرار الموازنة، ويعامل معاملة المنتسبين إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (المادة 106)، وحرمان ورثة الموظّف المتوفّي من الراتب التقاعدي واحتساب نسبة 40 في المئة منه فقط (المادة 107).
في هذا الإطار، تشير رئيسة رابطة موظفّي الإدارة العامة نوال نصر، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنّ الموازنة المقدّمة لم تتضمّن أي إصلاح حقيقي للإقتصاد أو الإدارة العامّة، نظراً إلى أنّها لم ترَ أنّ هذا الأمر يتم إلا عبر الإقتصاص من حقوق الموظفين في القطاع العام، وتؤكّد بأن هذا الأمر ليس بالجديد بل هو مسار مستمر منذ سنوات.
وفي حين تلفت نصر إلى أنّ الموظفين كانوا في طور المطالبة بتصحيح الرواتب، بعد أن بات غالبيّتهم لا يتقاضى أكثر من 200 $ بالشهر نظراً إلى أنهم يتقاضونها بالليرة، بينما كل النفقات تحسب على أساس سعر صرف الدولار بالسوق، جاءت هذه الموازنة التي لا تستهدف رواتبهم فقط بل تستهدف كل القطاع العام، وتضيف: "نحن أمام محاولة تهديم القطاع بكامله".
على هذا الصعيد، تؤكد نصر بأن هناك قراراً لدى غالبية مكونات الإدارة العامة بمواجهة هذا المشروع، وتلفت إلى أنّ الإضراب التحذيري والإعلان عن "يوم الغضب" هو البداية، حيث من المفترض أن يكون هناك تواصل مع كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب ووزير الماليّة ومختلف القوى السياسية لإقناعهم بالتراجع، نظراً إلى أنّ البنود الجائرة هي جريمة بحق المواطن، وتشدد على أن التصعيد مستمرّ في حال عدم التجاوب معهم، لأنّ "الوقاحة وصلت إلى الحدّ الأقصى ولم يعد من الممكن التهاون".
في المحصّلة، مشروع موازنة العام 2021 هو نموذج جديد في كيفيّة التعامل مع الأزمات القائمة في البلاد، حيث العشوائيّة في اتخاذ القرارات والرهان على أمور قد لا تتحقق، والأخطر إستسهال الحلول التي تزيد من ثراء الطبقة السّياسية وتغنيها عن الذهاب إلى معارك إصلاحيّة حقيقيّة.